الجمعة، 11 يونيو 2010

مــــــــــــــأتم عـــــــــــروس... !





















غرفة مقيتة...مظلمة...
هواء ثقيل...ملوث... معبأ بذرات اليأس و السكون...
و قلب يكاد يختنق مع كل انقباض وانبساط...


قضيت ما يقرب من ثلاث ساعات وأنا أتفحص ملامحي الجامدة في المرآة...
أحاول أن أنفض عن وجهي حزن سنين....
أحاول أن أكتم آهة أنين....
أحاول أن أمحو آثار العبوس...لعلّي أمهد الطريق لابتسامة...
فأخنق عبرة...و أكتم آهة...و أرسم بسمة...
حتى أعد نفسي لبدء العرض....لبدء الاحتفال...
و أتمنى أن أتقن التمثيل...حتى يقتنع الجميع بصدق تلك الابتسامة...
فتعمى أعينهم عن زيف أفراحي ... كما عمت من قبل عن عمق أحزاني...


بعدما انتهيت من تفحص ملامحي في المرآة.. نهضت.... ارتديت
ثوب عرسي الناصع البياض... ثم عدت لمرآتي...مشطت شعري الليلي الطويل...
تجملت بمساحيق أخفي بها شحوب وجهي الممصوص...
وضعت الطرحة... و حملت ورداتي بين يدي....
ثم ألقيت نظرة هادئة طويلة على المرآة...كأني أودعها....أو ربما أودع نفسي...
لملمت أطراف ثوبي...و فتحت باب غرفتي...لأسير في الممشى...
و قد ارتسمت على شفتيّ ابتسامة بلهاء مصطنعة....
و رغم غرابة الموقف... رغم حماقة الموقف... وجدت الجميع سعداء...منبهرين...
مصطفين على الجانبين ويصفقون بكل ما فيهم من قوة...كأنني كنت أمامهم بهلوان
يأتي بحركات غريبة عليهم...حركات تستحق التصفيق...!
لم أكن أعرف...أكانوا سعداء بي...و لأجلي؟؟!
أم سعداء بالثوب الأبيض...وكلمة "عروس"..؟؟!


و فجأة...ظهر في الأفق شخص ما....يرتدي ثياب العرس السوداء...
و يقترب بكل هدوء وثبات...وعلى شفتيه ابتسامة مثل ابتسامتي...بلهاء...
مد لي يده...فمددت يدي...وسرنا معا..في انكسار يرتدي ثوب الزهاء...
كنا كقصيدة غزل..صار معناها رثاء...
ولا أعلم...أكنا نسير بين الناس...أم كانوا هم يسيرون فوقنا..فوق جثثنا الهامدة..؟!
أكانوا يسمعون صراخنا...أم أننا كنا نصرخ بأذن صماء..؟!
أكانوا يضحكون لأجلنا...أم يضحكون علينا...؟!
بداخلهم كل معاني الحقد..ويدّعون الوفاء..!!
لم كل هذه الفرحة؟!....لأجل عرس فاخر..؟!
لأجل حلل وجواهر..؟!
لأن قلبان آخران اجتمعا في التعاسة..واتفقا على الاستسلام..؟!!
هذه هي الحقيقة..لم أكن أريده...ولم يكن يريدني...
فأنا و هو مستقيمان متوازيان..لن يلتقيا مهما سارا معا في نفس الاتجاه...



وجلست على مقعد العروس...أتفحص عرسي..بل أتفحص قدري...
وبين المدعوّين.......
أرى صديقاتي يتهامسن ويتغامزن...معجبين بوسامة زوجي..
حمقى..!! لا يعلمن أن الجسد يهرم...وقوة الشباب غدا تصير وهنا...
و لايتبقى سوى العقل و الروح...والعشق..

وفي ذلك الركن....
أرى أصدقاء أبي يتحدثون كعادتهم بخبث عن ثروة زوجي...
أغبياء..!! لا يدركون أن المال بلا حب لايسوى...
فما المهم في بعض وريقات يدعوها الناس أموال..؟!
المال لايعطينا أهمية...بل نحن من نعطيه أهميته..

و هناك....
أرى بنات عائلتي اللاتي كبرن و فاتهن قطار الزواج كما يلقبهن المجتمع...!
أراهن ينظرن الىّ أنا و زوجي بحسرة و ألم...
مساكين..!! لا يعرفن أن الوحدة قد تصير أفضل بكثير من العيش مع من لا نحبه...

رأيتهم جميعا..رأيت بعين كل واحد من المدعوين نفاق..و حقد..و أمنية..
يمثلون الفرحة لأجلي وهم في أشد الغيرة مني...
و يحقدون علىّ بسبب قدر لا دخل لي فيه...
و يتمنون لو يستبدلوا أقدارهم بأقداري...
لا يعلمون ما في قلبي...و قد لا يصدقوا حتى لو أخبرتهم...
خدعتهم ابتسامتي حتى ظنوا أني حقا سعيدة...
أني حقا عروس...و أن هذا...احتفال..!

و أدركت و أنا أجلس على ذلك الكرسي ما لم أدركه طوال حياتي...
رأيت ما لم أره ...
فأدركت أن هذا الاحتفال ليس بداية حياتي كما يظنون...
وليس نهاية حياتي كما أظن...
هذا الاحتفال هو حياتي ذاتها...
حياة مليئة بالناس...وكلهم يضعون أقنعة...
و لم يتسن لي أن أنزع عن وجوههم تلك الأقنعة الا عندما صرت أعلى منهم..
أجلس على ذلك الكرسي..مواجهة قدري الحتمي..
و أراقب الفوضى التي تعم حياتي..
و في كل عين...في كل جانب...أرى شئ جديد...و أنزع عشرات الأقنعة...
و أقلب الوجه تلو الوجه فلا أجد و لو تعبيرا واحدا صادق...
و لو ابتسامة واحدة من القلب...
احتفال ملئ بالتصنع والتكلف...كحياتي التي ملأتها بأناس يعشقون النفاق...!
و دارت الدائرة عليّ حتى صرت مثلهم...منافقة...
أجلس على ذلك الكرسي...متمسكة بنفس الابتسامة السخيفة المزيفة...
أخشى أن تتفلت من بين شفتيّ فينكشف أمري...
وتنقشع غيوم أفراحي ويظهر حزني...
أخشى أن أفقد الابتسامة فأنهار أمام قدري...
فابتسامتى هي الشئ الوحيد الذي تبقى لي...
فعندما تواجهنا مثل هذه الأمور التي نعجز عن التصدي لها...
عندما نضطر الى تقبل الأوضاع كما هى بحكم أنها واقع لا مفر منه...
عندما نجد أنفسنا في موقف لا نحسد عليه مضطرين لرفع الراية البيضاء...
فلا يسعنا الا أن نبتسم...
نبتسم...ونقول مرحبا للأوضاع الجديدة...للواقع المرير...للقدر...
فهذه بنظري هي فلسفة الاستسلام..
فان كان لابد أن تستسلم..فلا تنس الابتسامة...
فهي في حد ذاتها...انتصار...!!
و ها أنا استسلمت...و ها أنا أبتسم...
و ها قد أدركت أن هذا الاحتفال حقا..حياتي...
و أنا...أنا العروس...!!

قبــــــر..و ثلاث وردات ذابلات ..!

















جلس بجانبها لساعات طويلة..ممسكاً يدها برفق بين كفيه..
في انتظار أن تنطق..
جلس يتأمل جسدها الفتي الذي أصابه الضمور..
و وجهها المنير الذي امتص نوره الشحوب..
جلس طويلاً..ولكن عبثاً..
فهي ممددة منذ أيام بلا حراك..
وعيناها متسعتان محملقتان في الفراغ..
وهــــو... هو ينتظــــــر..


وبينما كان الصمت هو سيد الموقف..وجد أصابعها تتحرك بين كفيه...
نظر اليها..فأومأت برأسها اشارة الى كوب الماء القابع على المنضدة بجانب فراشها الحزين...
فأسرع زوجها الى كوب الماء في لهفة مغمورة بفرح.. و أخذ يسقيها برفق بضع قطرات منه..

ارتشفت القليل..ثم استقرت في فراشها ونظرت اليه نظرة كلها رضا وحنان..
وابتسمت ابتسامة كلها وداعة وحب..
وبحركة لا ارادية..أعادت يدها بين أحضان كفيه لتستمد منهما القوة على الحديث..

ثم شرعت تروي بصوت خــــــافت...

_"كنت صغيرة جداً حينما ماتت..
أذكر ذلك اليوم جيداً و كأنه الأمس..
أذكر كيف قام أبي _لأول مرة_بتلبيسي حذائي الصغير..و كم آلمني حينها...
و أخذني من يدي برفق لأسير بجانبه..
وسرنا معاً في الطريق...
ممسكاً يدي بيد.. وفي اليد الأخرى ثلاث وردات حمراوات نابضات بالحياة...
فقد كانت تعشق الورد..

سرنا حتى وصلنا لمكان واسع كبيـــــر..
يحدوه سور قصير..و في بدايته بوابة حديدية قديمة تصدر صوت أزيز مزعج..
و تملؤه أحجاراً تبدو كمنازل صغيرة منمقة ومرصوصة بشكل طولي..
أخبرني أبي أنها مساكن الموتى..
و لم أكن أعرف حتى ما معنى الموت..!

وحين دخلنا..أجلسني على حجر صغير في زاوية قريبة..
وسار بضع خطوات..حتى استقرت قدميه عن قبرها..
ثم انحنى على ركبتيه..ووضع الثلاث وردات برفق أمامه..
و دون أي مقدمات..طأطأ رأسه و أجهش ببكاء يكاد يكون عويل..
و يهتز كل شطر به من فرط الحزن..
لأول مرة كنت أراه يبكي...

كان هذا اليوم يحمل العديد من المرات الأولى..
للمرة الأولى يلبسني حذائي..
للمرة الأولى أراه يبكي..
للمرة الأولى أنام وحدي..دون حضن أمى..
و للمرة الأولى أتذوق حقاً طعم اليتم..
و أرتشف أول جرعات الحزن..
أو ربما الحزن كله جرعة واحدة..

ومن يومها..صارت تلك الزيارة عادتنا الاسبوعية..
نذهب بثلاث وردات نابضات بالحياة.. ونعود بثلاث ذابلات..
يوم ماتت ذبلت وردة واحدة...لكن أبــــي اختار جعلهن ثلاث..
و صار الحزن لديّ صورته قبــــــــر..و ثلاث وردات ذابلات.. "

حينها لفظت تنهيدة قصيرة من أعماقها..و سقطت دمعة هادئة على خدها
التقطها زوجها بأصابعه ومسحها برفق و كأنه يهون عليها ألمها..وينسيها كل جراحها..

ثم عادت فاتجهت بنظرها نحوه... و أطردت تقول..

_" عدني ألا تأخذها الى هناك..
لا أريدها هي الأخرى أن تمر بما مررت به..
لن أطلب منك ألا تحزن علىّ..فأنا أعلم أنك لن تستطيع..
لكن لا تجعلها هي تعيش أحزانك أنت..فغداً سيصبح لديها ما يكفيها من الأحزان...
و ان سألتك عني..فاخبرها أنى أحبها جداً.. وسأظل بجانبها دوماً..
و عدني أن تتذكر دوماً أن وردة ذابلة لا تميت اثنتان..
انما وردتان نابضتان بالحياة..قادرتان على احياء ذكرى واحدة.."

وخرجت الكلمة من بين صوت بكائه مكتومة مكلومة..
ورد قائلاً في ألم..

_"أعدك.."

وحين سمعتها..ابتسمت ابتسامة واسعة ملأت وجهها..و أعادت بعض النور الذي سرقه المرض الى وجهها الشاحب..
ثم قبضت على يده قبضة شديدة قوية..ساد بعدها ارتخاء وسكون تام..
و هوت يدها من بين راحتيه..
سكنت الجوارح..
وعاد الصمت من جديد..
انما هذه المرة بدون انتظار..وبدون أمل..!


قطع هذا السكون القاتل دقة رقيقة على باب الغرفة..
و اذا بها تدخل..
طفلة صغيرة لم تتعد ست سنوات.. بريئة وديعة وكأنها ملاك..
وقفت بين يديّ أبيها لبرهة..ثم سألته.....

_"أبي...يقولون أن أمى ماتت...
هل ماتت حقا..؟! "

فضمها اليه بشدة.. و أجاب..

_"لا يا حبيبتي...انها فقط وردة ذابلة.." !




رفيـــــــــــق الــــــــدرب...!












سمعت صوتا آت من بعيد..يوقظني من توهاني..
و أفقت..لكني لم أعرف من ناداني..
فكلهن متشابهات..متشحات بالسواد..
اقتربت مني احداهن.. أخذت بيدي..
والكل ينظر اليّ..لماذا ينظرن..؟!
والكل يبكي..لماذا يبكين..؟!
اخذتني..وفتحت باب غرفة ما..
غرفة تبدو مألوفة لي..
لا أعرف...ربما أتخيل..
ووجدتها تهمس بأذني .:--"هيا لتودعيه.."
اودعه؟! اودع من؟! ولماذا؟!
لم افهم شيئا..
ولم احاول ان افهم..فلم اكن اشعر بنفسي..كأن جسدي قطعة من الجليد..
كنت أسير معها فقط..
وتلك النظرة البلهاء تعتلي ملامحي..
ودخلت الغرفة..
وحين دخلتها ..ادركت اني اعرفها..
نعم لقد دخلتها من قبل..
تلك الستائر المخملية..
ذلك الكرسي الخشبي..
وهناك زجاجة عطر وردية..اكاد اشتم رائحتها بأنفي..


التفت حولي..فوجدتها لا زالت تنتظر..
اخذتني من يدي..
واجلستني على كرسي بجانب السرير..
وقالتها مجددا.. "ودعيه "..!!
كانت الكلمات على لساني..: "اودع من..؟!"
لكنها تركتني ورحلت..
وحينها رأيته...
جسد نحيل ممدد على الفراش...نائم في سلام..
لم استطع ان ارى ملامحه جيدا..
فدنوت بمقعدي قليلا...
واستطعت ان اراه..
اني اعرفه...لكني لا استطيع ان اميزه...
انا متاكدة اني اعرفه..
ذلك الشعر الاشيب..
وتلك الابتسامة العذبة على شفتيه...
وهذه الملامح...اعرفها...
حتى الخاتم الفضي في اصبعه...اعرفه..
لكني لا استطيع ان اتذكر..
يا الــــهي..!!
ساقترب اكثر...ربما اتذكر..
جلست بجانبه على الفراش..
وشعرت برغبة قوية في ملامسته...امسكت يده..
ولمستها لم تكن غريبة علىّ..
فلطالما امسكت يدي باعثة فيها القوة والحب...
تلمست شعره الابيض..وتذكرت وانا امرر اصابعي بين خصلاته
انها لم تكن اول مرة افعل فيها هذا..
نظرت لوجهه..فادركت اني لطالما تاملت تلك الملامح...
ولطالما عشقت تلك الابتسامة..
انا على وشك ان اتذكر..لكن شئ ما يمنعني...
تلفت حولي..فرايت صورة له..
قمت من مكاني والتقطتها..
كان لا يزال شابا حينها..يرتدي حلة العرس..
ومن هذه التي تقف بجانبه..؟؟
انها تشبهني...
لا.......
انها....................
وانفلتت الصورة من بين يدي...
وتبعثر زجاجها حولي...وتبعثرت افكاري...
يا الـــــــهي..!
عرفت الآن لم عليّ ان اودعه....
انه زوجي...!!


فكيف نسيته..؟!
هل حقا نسيته..؟!
ام ان الامر كان اكبر من استيعابي..؟!
ام انني فقط كنت اهرب من الواقع..؟!

وقفت ناظرة اليه وانا مشدوهة...شاردة الذهن..
وكل تلك التساؤلات تدور بعقلي..
ولم اشعر بنفسي الا وانا اندفع نحوه..
جلست بجانبه...وانهمرت دموعي كالسيول...
تلمست يداه مجددا...تحسست شعره..
وطبعت فوق جبينه قبلة بشفتاي المرتعشتان من هول الصدمة..
ونظرت لتلك الابتسامة العذبة...
وتذكرت حين كنت اقول له.."هل ستدوم ابتسامتك في وجهي يا ترى؟
حتما سياتي يوم وتعبس في وجهي يا حبيبي..غدا ستهرم وتكثر هموم
الحياة...وتنسى الابتسامة.."
فكان يرد قائلا.."لن انسى الابتسامة...فهي ايضا لا تنساني..
ساظل ابتسم حتى اموت.."

وتردد صدى الكلمة في اذني..
حتى اموت......حتى اموت.......حتى اموت........!
وها قد مت ياحبيبي..
و صدقت..
حتى وانت ميت...ابتسامتك لا تفارقك...

رحلت عني يا ونيس العمر ولا اجد ملجأ الا البكاء...
رافقتني منذ صغري...فكنت اب وصديق وزوج وحبيب...
لم تتركني يوما امضي وحدي..
وعليّ الان ان اتركك تمضي وحدك...

لن استطيع بعد الان ان امسك بيديك حين اشعر بالخوف..
لاني لن اجدهما..
لن استطيع ان ابكي...لاني لن اجد من يمسح دموعي..
عليّ الان ان اكمل طريقي وحدي...لا يرافقني سوى ذكراك...


لا اصدق اني ساستيقظ صباحا ولا اجدك تقف بجانب فراشي تحمل فنجان القهوة... !
لا اصدق اني لن اسرق بعد الان سجائرك واخبئها حتى تمتنع عن التدخين..!
لا اصدق اني لن اغضب منك...لن انظر اليك...لن اضحك على تعليقاتك..!
لا اصدق اني لن ارى العالم مجددا بنظرك...!
عالم الالوان المشرق..الزاهي...
فمنذ اليوم فقدت عيوني...ولن ارى الكون سوى ابيض واسود..!
لن استطيع يا عمري ان ارى العالم كما كنت اراه برفقتك..
فقد كنت حلو ايامي...وها قد ذهبت..
فلن اعيش بعدك الا في انتظار ان ألحق بك...


ووجدت الذكريات تتسارع الى ذهني...
واتذكر كل شئ..
المتشحات بالسواد..هن قريباتي..
هذه غرفتي..وذاك عطري..وتلك صورتي..
و هذا الميت......
هذا الميت..........
رفيق دربي............

دون أن أتــــــــحدث .. !










اليوم سأتحدث...



أراها قادمة... تحتضن كتبها بين ذراعيها...

و تسير والخجل يتساقط بين خطواتها...

و الحمرة تزين خدودها...



تقترب... وكلما اقتربت تزداد دقاتي...

وبعد اصراري على الحديث اليها...

تفر كلماتي...

و أجد العالم يتســـــــع بيني وبينها...

فمن أكــــون أنا لأكون حبيبهــــــا...؟!



لا....لقد أصررت أن أتحدث...

اليوم سأتحدث...





وتقترب...وكلما اقتربت ترددت الكلمات بذهني وجلاً...

و ارتجف كل شطــــر بي شــــوقاً..

أتقدم خطـــوة..و أعود في مقابلها خطــــــــوات...

أبتعــــــد...فتشجعني تلك النظـــــرات...

فــــــأعود حاملاً الكلمات...

و يصيـــح قلبي في فـــــرح... "نعم اليـــــــوم سأتحدث"...



وتقترب...و تمر بجانبي بنفس الخجل...بنفس السحر...

يأخذني عطرها الهــــادئ..

يقتلني هدوؤها الســـــــاحر..

و تلفح وجهي نسمـــات الهواء التي تحمــــل عطرها..

فأغمض عيـــني مستمتعاً بتلك الرائحـــــة التي أحلــــــم بها كل ليلة تملأ حنايــا صدري..

وحين أقرر أن أفتح عينـــــــي لأتحـــــــدث...

لا أجـــــــــد لهــــــــا أثـــــراً....

تكـــــــون قد عبـــــرت طريــــــقي بمسافـــــات...

فــــــأكره عطرها والنســــــمات..

تلك التي جعـــــلتني أتـــــوه في عالم آخــــــــر مغمضاً عينـــي عنهــــا... حتى تغـــــــيب...

أكــــــــره ذلــــــك الرحـــــــيق...



وأعـــــــود كل يــــوم في نفــــــــس الطريـــــق..

مصــــــــراً أن أتحدث..

و يســــــــرقني عطرها مــــــني..

حتى تغيـــب تـــلك الجمـــــيلة عنــــــــي..

دون أن أتحــــــــدث..!

نهـــــــــــــــاية سعيــــــــــــــدة :)












وجدته يقترب مني بابتسامة بريئة أكاد أحسده على براعته في تمثيلها...
يااااااااااه..لم أره منذ سنوات...
تـــرى..ألا زال كما هو..؟!

اقترب مني حتي استطعت أن أتبين ملامحه جيدا...
و حين رأيته ابتسمت..ثم ضحكت..ثم قهقهت بصوت مسموع..و ارتفع صوت قهقهاتي عاليــــا...
حتى تحولت ابتسامته الى تعجب ممزوج بخوف...
بالتأكيد ظنني مجنونة...هذا لأنه غبي..!
لو كان يفهم حقا لعرف أني صرت عاقلة...
كنت أضحك على نفسي...لا عليه...
لأنني كنت عمياء..لم أستطع قبل سنوات أن أرى وجهه المشوه .. انخدعت بوجهه البرئ
وملامحه المنحوتة كتمثال روماني تتجلى فيه روعة الابداع والتصميم..
لم يتسن لي أن أنزع قناعه عنه...وصرت ضحية تلك الابتسامة البريئة الجذابة..الكـــــــاذبة..!!

أخذت أتأمل وجهه في صمت...
ظنني أتأمل ذقنه....لكني كنت أتأمل دماء قلبي السائلة على وجهه المكلوم..
ظنني أتأمل فمه..لكني كنت أتأمل أنياب غرسها في قلبي قبل سنون..
ظنني أتأمل وجنتيه..لكنني ما كنت أتأمل الا آثار أظافر ضحاياه..جروح وخدوش أتمنى من كل قلبي أن
تكون مؤلمة..
ظن أنني أتأمل عينيه..لكني كنت أبث فيهما حقدي وأشبع نهم عيني في اهانتهما بنظرة ازدراء طووووووويلة...
ظن أنني أتأمل رأسه...لكني كنت أتأمل شعر غجري أشعث و قرون تنمو على جانبي جبهة مهانة..

و حين تجمعت لديّ الصورة كلها...
ارتددت للوراء خيفة من ذلك المنظر المخيف..فزعا" من تلك اللوحة الباهتة المرعبة..
و قررت أن أبتعد...
و أشحت بنظري عنه...
لكن قبل أن أبتعد...أدرت ظهري اليه لألقي نظرة أخيـــرة على حلمي القديم..أو على كابوسي المفزع ان صحّ التعبير...
و اذا بي أجد الصورة مختلفة...
و جدت فم كبير متسع ممتلئ بابتسامة بلهاء..
و عيون تملأها بهجة حمقاء..و ألوان زاهية تعكس روحا جبانة..
انها صـــــورة مهـــــــرج..
بلياتـــــــشو...!!

أدرت ظهري له مجددا و أنا أفكر في أنه ربما لم يكن يوما سوى بلياتشو..
لم أستطع أن أتمالك نفسي من الضحك..و أعلم أنه لم يتمالك نفسه من الذهــــــول..من عدم فهمه للموقف..

ربما هذا هو قدرنـــــا....
فبعد عذابي معه..تنتهي القصة بضحكاتي...و بغبائه..
انها حقا نهاية سعيدة..!!

بعــض الجــــــــراح لا تلتـــئم...

**كان يوم مثل كل يوم..حيث استيقظت صباحا..اخذت حماما باردا..
وكالعادة اهملت افطارها..ثم ارتدت ملابسها التي تبدو انيقة رغم خلوها من كل مظاهر الفرح او البهجه... فالوان ملابسها هي الوان حياتها..الوان ترابية باهتة.. لكنها في النهاية الوان... وبعدها نزلت من عقارها الثمين..وركبت سيارتها الصغيرة الأنيقة لتذهب لعملها..
الشئ الوحيد الذي تمنته من الدنيا وأتته.. تمنت أن تكون مديرة لاحدى أقسام الشركات الاستثمارية الكبرى.. واجتهدت حتى حصلت على ما أرادت..رغم صعوبة مطلبها.. لذا..كان عملها أهم وأثمن شئ في حياتها..



**توقفت بسيارتها وهي في طريقها للعمل امام اشارة حمراء تسببت في ايقاف حشد لا بأس به من السيارات..
كان ينطلق من سيارتها صوت العندليب يشدو بأغنيته الجميلة.."رسالة من تحت الماء"..فأخذت تدندن معه متأملة تلك العمارات السكنية التى تتأملها كل يوم تقف فيه امام تلك الاشارة الحمراء..
وفي تلك اللحظة...عندما كانت تلتفت يسارا مستغرقة في تأملها..
اذا بعينها تتعلق بعين أحد ما..
عين كانت تنظر اليهاباهتمام منذ توقفت بسيارتها..
عين بدا فيها تكبر وتعال شديدين..
وحين رأته...توقفت عن التأمل..وعن الغناء..وربما حتى عن التنفس...
فتلك العين تبدو مألوفة لها..وتلك النظرةليست بغريبة عليها..
لم يكن من الصعب عليها ان تتعرف عليه..لم يحتج الامر منها سوى ان تزيل آثار شاحنة السنين من على الصدغين..
وتمسح بعض التجاعيد من على الجبهة..
فتجد وجها عاش معها سنوات طوال دون حتى ان تراه..
فوجه شخص ظالم لا ينمحي من القلب بسهولة..
و لا ينمحي من العين أبد الدهر..



**تحجرت عينها وهي تنظر اليه في سيارته السوداء الفاخرة..بدت عليها دهشة شديدة للوهلة الاولى..
فلم تكن تتوقع ان تراه بعد كل هذه السنوات..
لكن سرعان ما استحالت نظرتها من الدهشةالى الاحتقار..
فوجهه عاد بها لزمن لم ترد العودة اليه..
وأعاد لذهنها ذكريات ظنت انها نسيتها..
تحجرت عينها..وتوقف كل شئ فيها..ربما حتى قلبها..
ولم يوقظها الا نفير السيارات...وصياح السائقين من حولها يدفعونها للتحرك..
فاذا بها تلتفت امامها بوجه يعلوه البؤس..وربما اللامبالاة..بنظرة متعلقة باللاشئ..
وتحركت بتلقائية متناهية..ورحلت..
لكنها لم تعرف كيف رحلت..


**لم تشعر بنفسها الا وهي تجلس في مكتبها على مقعدها الجلدي الفاره..مسندة رأسها الى الخلف..
وعينها مثبتة في الهواء..كأنها تنظر لشئ عجيب...او كأنها لا ترى قط...
لم يوقظها الا نداء سكرتيرتها سائلة اياها:
"سيدتي..هل انت بخير؟..هل أصبت بوعكة؟..هل أستدعي الطبيب؟..هل........"
فقاطعتها وهي تجذب حقيبتها بعنف قائلة:
"أنا في اجازة اليوم.."
واتجهت نحو باب المكتب ..كأنها تهم بفعل شئ جنوني..تاركة السكرتيرة تسألها:
"سيدتي..بم اخبر المدير ان سأل عنك؟..سيدتي......."
لكنها لم تهتم..أو ربما لم تسمع..



**ركبت المصعد..و أخذ وجهه يتراءى أمام عينها كومضات مفزعة..
وكل ومضة بصدمة..برجفة..بخفقة..بقطرة دم من قلب ظن أن جرحه اندمل..
فاذا به ينزف من جديد..
أصابتها تلك الحالة بالضطراب والغضب..فقادت سيارتها بعنف شديد..حتى وصلت شقتها ودخلت..
وأغلقت الباب..وأغلقت معه على صبرها باب..
وهنا فقط..تركت العنان لمشاعرها..فراحت تبكي وتبكي...وتصرخ كاتمة صراخها بوسادتها..صديقتها..
وتعض عليها كما لو كانت طفلة صغيرة لا تتحمل الالم..



**أخذت تبكي لساعات..تبكي لانها تذكرت كل ما حدث منذ البداية...
منذ التقته..منذ التقت فرحة عمرها..و اول حب لها..منذ اعترف لها بحبه..واعترفت له بحبها..
تذكرت يوم قال"أحبك"..ويوم قال "عفوا..مصيرنا الفراق"..
تذكرت يوم ضحت لاجله..ويوم ضحى هو بها..
تذكرت سؤالها"ألم تعد تحبني؟؟.." وتذكرت اجابته..صمته الذي كان أقسى من أي اجابة..
تذكرت كيف بددت ألمه..وأنسته جراحه..
وكيف زاد هوحزنها وألمها وحطم قلبها..وحياتها..
تذكرت تلك النظرة القاسية التي كان ينظرها اليها..وتلك اللامبالاة التي تعامل بها معها..
تذكرت طيبتها..بل سذاجتها..وتذكرت نذالته..واستغلاله لها..
تذكرت ذلك الخنجر الذي غرسه بقلبها يوم علمت انه ارتبط بأخرى..
تذكرت يوم رآها وابتسم..ولسان حاله يقول"لم تكوني سوى لحظة..ولم تصبحي سوى ماض.."
تذكرت معاناتها لسنوات طويلة..وهي تحاول ان تنسى من غدر بها..داعية ربها ان ينتقم لها..وان يطمئن قلبها..
تذكرت كل هذا...وآلمها كل هذا..
كل موقف..كل كلمة..كل نظرة..
تذكرت ما ظنت انها نسيته..تذكرته وكأنه حدث أمس..
كأن الزمن لم يمر..والساعات لم تدق..و الأحوال لم تتغير..



**آلمها كل هذا..لكن أكثر ما آلمها هو أن تراه بعد كل هذه السنوات ينظر اليها نفس النظرة..
وتفعل بها النظرة كل هذا.. ولمــــــــاذا..؟!!..

لماذا تأبى السعادة أن تستمر في حياتها؟..لماذا يخشى الفرح أن يدخل قلبها؟..
لماذا يصر القدر على تعذيبها؟..لماذا تفتح الايام أبواب غلّقت ..وتشعل نارا اطفأها مرور الوقت..
و ذكريات دهستها عجلة الزمان؟..
لقد أعادتها تلك النظرة عشر سنوات للوراء..
منذ تركها..منذ بدأت معاناتها..فحين كانت تحاول استيعاب ماحدث..حدث ما يجعل الحياة كلها بأسهل ما فيها يصعب استيعابها..ماتت أمها..تلك التي كانت كل ما لها..كل عائلتها..
وفوجئت بأعمامها يتخلون عنها..ويقذفون بها الى بعضهم البعض..حتى خطبوها لاحدهم..ليتخلصوا منها..
رغم معارضتها الشديده..خاضت تلك التجربة بقلب ضعيف..انما بعقل يضاهي ألف عقل..
فصبرت على بلائها ختى انزاح عنها..
كانت تصبر حتى تكمل تعليمها الجامعي كي تستطيع البحث عن عمل وتصير مسئولة عن نفسها و بغنى عن كل من حولها..وضعت هذا المخطط برأسها رغم كل ما كان بها..فحتى الحزن على أمها..لم تعطها الدنيا الفرصة لتشعر به..
كانت تبحث عن خلاص لروحها..
وحين اكملت تعليمها..قررت أن تتخلص من زوجها المستقبلي..الذي أوهمته أنها توافق على كل ما يريده من تحكم وانصياع كامل للاوامر..زوجها الذي كان نسخة غير منقحة عن"سي السيد"..
بالطبع..فهو لم يدفع القليل لاعمامها حين اشتراها منهم..اعمامها الذين لم يكتفوا بميراث ابيها..بل باعوها بأرخص ثمن وفي اقرب فرصة..
وبعد جدال..بل قتال طويل..تركته...تركت هما ظل قابعا فوق قلبها لمدة عام كامل..
وقبل ان يعلم اعمامها بما فعلته..كانت قد رحلتبعدما استطاعت ايجاد عملا عن طريق زوج احدى صديقاتها المقربات..
كما وجدت مسكنا رغم ضيقه وفقره الا انها قبلت به..
وانتقلت لمدينة اخرى..ولعالم آخر..



**بالطبع لم يكن العمل الذي وجدته هو العمل الذي تتمناه...صحيح انه كان في شركة اسثمارة ..انما عملها كان مجرد كاتبة..تأخذ راتبا محدودا..وحتى المسكن لم يكن صالحا للعيش الآدمي..
لكنها صبرت..وثابرت حتى استطاعت ان تستعيد ميراثها عن ابيها من اعمامها..وقامت بتحسين حياتها بعض الشئ ببعض المال..اما عن الباقي فقررت ان تدرس به..بدأت تأخذ دورات تدريبية..وتدرس في كليات ومعاهد تنمي مداركها في مجال عملها..حتى حصلت على العديد من الشهادات..وترقت في عملها..فتحسن راتبها ومسكنها..وتحسنت حياتها..
بالطبع لم يكن أيا من هذا سهلا..فقد مر عليها كل يوم وكأنه عام..
لكن كانت فرحتها بكل نجاح تحققه تنسيها كل ألمها ووحدتها..
جعلتها الحياة ذكية..قوية وصلبة رغم أنفها..



**لكن مرور الايام لم ينسها يوما مما مرت به..ولم ينسها ابدا من ظلمها..
وكان من الطبيعي ان تظل ذكراه هو بالذات بداخلها...لانها لم تعش طوال حياتها سعادة كالتي عاشتها معه في بداية حياتها..صحيح انها كانت سعادة وقتية مبنية على الخداع..لكنها لم تنكر يوما انها اسعد ايام حياتها..ولم تنكر ايضا ان سعادتها تلك جعلت تركه لها يعني تدميرها..لهذا كرهته..ولم تسامحه قط..
فكثيرا ما كانت تتساءل بينها وبين نفسها"ماذا كان من الممكن ان يحدث ان لم يتركني؟" والاجابة واضحة بالطبع..
لم تكن ستمر بكل ما مرت به..او على الاقل ببعضه..
لكنها في النهاية تدرك انه قدرها..وأن البلاء ثلاثة أنواع...
اما ان يكون عقابا على شئ مضى..يكفر الله به عن سيئاتنا..وينقذنا من عذابنا بها في الدار الآخرة..وهذا افضل..
واما ان يكون بلاء مقدم يأتينا ما يعوضنا عنه فيما بعد..وحلاوة التعويض والسعادة بعد الحزن لا حلاوة بعدها..
واما ان يكون بلاء المؤمن..الذي يختبر الله صبره بابتلائه..ويجزيه به في دنياه واخرته..
لذا..لم تكن حزينة..فكفاها ان تقول"حسبي الله ونعم الوكيل"..فهي موقنة ان الله لن يترك حقها..كفاها ان تكون مع الله..



**تذكرت كل هذه الاشياء وهي تبكي..
تدافعت كل تلك الافكار والذكريات الى عقلها دفعة واحدة بلا انقطاع..
مرت عليها حياتها كشريط متصل بلا نهاية..
أخذت تبكي حتى أتعبها البكاء..حتى نامت دون ان تدري..
لم يوقظها الا صوت هاتفها الخلوي يرن..
فنهضت..اعتدلت في فراشها..ونظرت في الهاتف بعينيها الداميتين..
فوجدت رقما لا تعرفه..فألقت بالهاتف جانبا غير مهتمة..
لكنه ظل يرن كثيرا حتى قررت ان ترد..
وحالما وضعت الهاتف على اذنها سمعت ضوضاء غريبة..
ثم سمعت احدهم يقول بضعف شديد..:"انا اسف..سامحيني"
فاعتدلت في فراشها مندهشة..فقد بدا الصوت مثل صوته..
لكن صورته وهو ينظر اليها بتعال منذ قليل كانت كفيلة بأن تبعد الفكرة عن عقلها..
فردت قائلة..:"ماذا؟؟..من ؟أنت؟؟!.."
لكن احدا لم يرد...
وسمعت صوت ارتطام قوي..كأنما سقط الهاتف على الارض..
فأخذت تردد..:"الو...الو...."
فاذا بها تسمع صراخا مختلطا بصوت يبدو كأنه صوت سيارة اسعاف...
فأخذت تردد بدهشة ودون ان تدري...:"الو....الو........"
فاذا بصوت احدهم يقول..:"الو.."
فردت عليه.. :"هل انت من كنت تتحدث الىّ الآن؟؟..."
فقال.. :"لا.."
فقالت بتوتر شديد.. :"اريد ان اعرف من هو..وماذا هناك؟؟!..."
فقال.. :"أنا لا اعرفه...لكنه كان يقود سيارة سوداء...و......"
فقاطعته بقولها.. :"ماذا؟؟!.. اعطه الهاتف...أريد أن أتحدث اليه...اريد ان اعرف من هو..وماذا حدث.."
فقال بتردد.. :"لا استطيع...!"
فصاحت.. :"لماذا؟!.. هيا اعطه الهاتف..هيا....."
فكرر مجددا :"لا استطيع..."
وقبل ان تلح عليه مجددا..وجدته يقول..
:"أنا آسف............البقاء لله..!!"




لا لـــــــن أبيــــــع أحـــــــــلامــي ..








أحيانا يطيح بنا الألم لمدى لا نتوقعه...
ويأخذنا بعكس الاتجاه الذي نريد السير فيه..
فان أردنا الخلاص من أمر.. أقحمنا فيه...
وان أردنا تصديق أمر ..أوحى لنا بعكسه..


الألم يجعل كل شئ ممكنا...
بالضبط كما يجعل الحب كل شئ مستحيلا..
وفي كلتا الحالتين..الألم والحب..الامكان والاستحالة..
تكون النتائج مأساوية...
وتصير النفس في حالة فوضى لا يبدو بعدها انتظام..
كارثة لا يبدو منها قيام..
والوقت يمضي..والالم لا زال يطيح بنا..
ونقول اشياء لا نعنيها..ننساق في طرق لا نمشيها..
ونصل لاهداف لم تكن يوما في مرمى بصرنا..
لنجدنا تخلينا عن أسمى احلامنا..
وتضيع الكرامة....يضيع الكبرياء....
ويذوب القلب في دوامات من المشاعر...
ويتوه العقل في لجة عميقة من الفكر...
وتصير النفس ممزقة بين الحق والباطل..
بين الخير والشر..


وانا.....مسكينة انا..
لا انا مع قلبي...ولا مع عقلي...ولا حتى محتارة مع نفسي..!
لقد انزويت بجانب مظلم مخيف...
أراقب فيه الاحداث بلامبالاة متناهية..
أنتظر أن يستطيع أحدهم التفوق على الاخر..
تاركة نفسي بأيدي ثلاثة حمقى..ليقرروا مصيري..
يكرروا اخطائي...ويزيدوا لعناتي..!


مسكينة انا...
لا..لست مسكينة...بل حمقاء..!
فليذهب ثلاثتهم الى الجحيم..
لكني لست ذاهبة معهم..
سأقرر انا...
سأخرج من ظلمتي لأريهم من أكون أنا..
حتى لو كنت سأذهب معهم للجحيم...فليكن هذا قراري انا..
فسحقا لقلبي ولعقلي ولنفسي..
سحقا للألم...سحقا للحب...
أنا لن أسير أبدا في عكس الاتجاه..
لن أكون أبدا الا كما أريد أن أكون...
الا كما يجب أن أكون...
وها انا اعلنها...
لا...لن أبيع أحلامي...