الجمعة، 11 يونيو 2010

مــــــــــــــأتم عـــــــــــروس... !





















غرفة مقيتة...مظلمة...
هواء ثقيل...ملوث... معبأ بذرات اليأس و السكون...
و قلب يكاد يختنق مع كل انقباض وانبساط...


قضيت ما يقرب من ثلاث ساعات وأنا أتفحص ملامحي الجامدة في المرآة...
أحاول أن أنفض عن وجهي حزن سنين....
أحاول أن أكتم آهة أنين....
أحاول أن أمحو آثار العبوس...لعلّي أمهد الطريق لابتسامة...
فأخنق عبرة...و أكتم آهة...و أرسم بسمة...
حتى أعد نفسي لبدء العرض....لبدء الاحتفال...
و أتمنى أن أتقن التمثيل...حتى يقتنع الجميع بصدق تلك الابتسامة...
فتعمى أعينهم عن زيف أفراحي ... كما عمت من قبل عن عمق أحزاني...


بعدما انتهيت من تفحص ملامحي في المرآة.. نهضت.... ارتديت
ثوب عرسي الناصع البياض... ثم عدت لمرآتي...مشطت شعري الليلي الطويل...
تجملت بمساحيق أخفي بها شحوب وجهي الممصوص...
وضعت الطرحة... و حملت ورداتي بين يدي....
ثم ألقيت نظرة هادئة طويلة على المرآة...كأني أودعها....أو ربما أودع نفسي...
لملمت أطراف ثوبي...و فتحت باب غرفتي...لأسير في الممشى...
و قد ارتسمت على شفتيّ ابتسامة بلهاء مصطنعة....
و رغم غرابة الموقف... رغم حماقة الموقف... وجدت الجميع سعداء...منبهرين...
مصطفين على الجانبين ويصفقون بكل ما فيهم من قوة...كأنني كنت أمامهم بهلوان
يأتي بحركات غريبة عليهم...حركات تستحق التصفيق...!
لم أكن أعرف...أكانوا سعداء بي...و لأجلي؟؟!
أم سعداء بالثوب الأبيض...وكلمة "عروس"..؟؟!


و فجأة...ظهر في الأفق شخص ما....يرتدي ثياب العرس السوداء...
و يقترب بكل هدوء وثبات...وعلى شفتيه ابتسامة مثل ابتسامتي...بلهاء...
مد لي يده...فمددت يدي...وسرنا معا..في انكسار يرتدي ثوب الزهاء...
كنا كقصيدة غزل..صار معناها رثاء...
ولا أعلم...أكنا نسير بين الناس...أم كانوا هم يسيرون فوقنا..فوق جثثنا الهامدة..؟!
أكانوا يسمعون صراخنا...أم أننا كنا نصرخ بأذن صماء..؟!
أكانوا يضحكون لأجلنا...أم يضحكون علينا...؟!
بداخلهم كل معاني الحقد..ويدّعون الوفاء..!!
لم كل هذه الفرحة؟!....لأجل عرس فاخر..؟!
لأجل حلل وجواهر..؟!
لأن قلبان آخران اجتمعا في التعاسة..واتفقا على الاستسلام..؟!!
هذه هي الحقيقة..لم أكن أريده...ولم يكن يريدني...
فأنا و هو مستقيمان متوازيان..لن يلتقيا مهما سارا معا في نفس الاتجاه...



وجلست على مقعد العروس...أتفحص عرسي..بل أتفحص قدري...
وبين المدعوّين.......
أرى صديقاتي يتهامسن ويتغامزن...معجبين بوسامة زوجي..
حمقى..!! لا يعلمن أن الجسد يهرم...وقوة الشباب غدا تصير وهنا...
و لايتبقى سوى العقل و الروح...والعشق..

وفي ذلك الركن....
أرى أصدقاء أبي يتحدثون كعادتهم بخبث عن ثروة زوجي...
أغبياء..!! لا يدركون أن المال بلا حب لايسوى...
فما المهم في بعض وريقات يدعوها الناس أموال..؟!
المال لايعطينا أهمية...بل نحن من نعطيه أهميته..

و هناك....
أرى بنات عائلتي اللاتي كبرن و فاتهن قطار الزواج كما يلقبهن المجتمع...!
أراهن ينظرن الىّ أنا و زوجي بحسرة و ألم...
مساكين..!! لا يعرفن أن الوحدة قد تصير أفضل بكثير من العيش مع من لا نحبه...

رأيتهم جميعا..رأيت بعين كل واحد من المدعوين نفاق..و حقد..و أمنية..
يمثلون الفرحة لأجلي وهم في أشد الغيرة مني...
و يحقدون علىّ بسبب قدر لا دخل لي فيه...
و يتمنون لو يستبدلوا أقدارهم بأقداري...
لا يعلمون ما في قلبي...و قد لا يصدقوا حتى لو أخبرتهم...
خدعتهم ابتسامتي حتى ظنوا أني حقا سعيدة...
أني حقا عروس...و أن هذا...احتفال..!

و أدركت و أنا أجلس على ذلك الكرسي ما لم أدركه طوال حياتي...
رأيت ما لم أره ...
فأدركت أن هذا الاحتفال ليس بداية حياتي كما يظنون...
وليس نهاية حياتي كما أظن...
هذا الاحتفال هو حياتي ذاتها...
حياة مليئة بالناس...وكلهم يضعون أقنعة...
و لم يتسن لي أن أنزع عن وجوههم تلك الأقنعة الا عندما صرت أعلى منهم..
أجلس على ذلك الكرسي..مواجهة قدري الحتمي..
و أراقب الفوضى التي تعم حياتي..
و في كل عين...في كل جانب...أرى شئ جديد...و أنزع عشرات الأقنعة...
و أقلب الوجه تلو الوجه فلا أجد و لو تعبيرا واحدا صادق...
و لو ابتسامة واحدة من القلب...
احتفال ملئ بالتصنع والتكلف...كحياتي التي ملأتها بأناس يعشقون النفاق...!
و دارت الدائرة عليّ حتى صرت مثلهم...منافقة...
أجلس على ذلك الكرسي...متمسكة بنفس الابتسامة السخيفة المزيفة...
أخشى أن تتفلت من بين شفتيّ فينكشف أمري...
وتنقشع غيوم أفراحي ويظهر حزني...
أخشى أن أفقد الابتسامة فأنهار أمام قدري...
فابتسامتى هي الشئ الوحيد الذي تبقى لي...
فعندما تواجهنا مثل هذه الأمور التي نعجز عن التصدي لها...
عندما نضطر الى تقبل الأوضاع كما هى بحكم أنها واقع لا مفر منه...
عندما نجد أنفسنا في موقف لا نحسد عليه مضطرين لرفع الراية البيضاء...
فلا يسعنا الا أن نبتسم...
نبتسم...ونقول مرحبا للأوضاع الجديدة...للواقع المرير...للقدر...
فهذه بنظري هي فلسفة الاستسلام..
فان كان لابد أن تستسلم..فلا تنس الابتسامة...
فهي في حد ذاتها...انتصار...!!
و ها أنا استسلمت...و ها أنا أبتسم...
و ها قد أدركت أن هذا الاحتفال حقا..حياتي...
و أنا...أنا العروس...!!

هناك 3 تعليقات:

  1. أولا مبروووووووووووووووووووك على المدونة التحفة دي يا سارة ... بجد إنتي عاملة فيها شغل حلو أوي ...
    ثانيا القصة طبعاً رائعة ... عبرتِ فيها عن ذلك المرض الإجتماعي الظاهر بحياتنا و هو النفاق ... حتى نفاق أنفسنا الذي يجعلنا لا نختار و لا نملك حق البوح و الحرية ... و الذي يجعل حياتنا مأتم حتى في أوقات الفرح ...

    ردحذف
  2. الله يبارك فيكي يا جيجي ميرسي قوي يا حبيبتي...
    و اشكرك جدا على تحليلك الجميل ليها..و عندك حق فعلا النفاق دا مرض مستعصي في حياتنا حاليا بالذات..ربنا يشفي قلوب الجميع منه لانه بيسبب تدمير المجتمع كله...
    شكرا على ردك الرائع يا حبيبتي :)

    ردحذف
  3. تزوجته . . ولا أعرف لماذا

    قد يكون القدر . . أو تكون حماقتي أو حماقة من حولي

    فقد نشأنا في مجتمع لا يرى الأنثى كاملة إلا عندما يحمل إصبعها خاتم رجل . . أي رجل

    حتى وإن كانت القلوب بعيدة
    والروح مثقلة بثقل مآساة ليلة الزفاف

    فنتكلف الإبتسامة ونتصنع الفرحة

    ردحذف